تمر اليوم الذكرى 180 على إصدار السلطان عبد المجيد الأول “فرمان مصر” الذى نص على تولى محمد على باشا ولاية مصر والسودان وراثيًا، وقد بقى هذا الفرمان مرعيا فى مصر كدستور حتى نهاية عام 1914 حين أعلنت الحماية البريطانية.
خلف السلطان عبد المجيد الأول أباه السلطان محمود الثاني، وهو صبى لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وسرعان ما سارع إلى إجراء مفاوضات مع محمد على ، فاشترط محمد علي، لعقد الصلح، أن يكون الحكم فى الشام ومصر حقًا وراثيًا فى أسرته.
وكاد السلطان عبد المجيد يقبل شروط محمد على لو لم تصله مذكرة مشتركة من بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا، تطلب منه قطع المفاوضات مع محمد على، وكانت الدول الأربع قد اتفقت على منع محمد علي، القوى، من أن يحل محل السلطنة العثمانية، الضعيفة، فى المشرق العربي، الذى تمر فيه طريق بريطانيا إلى الهند.
أما فرنسا فقد انفردت فى سياستها الشرقية عن الدول الأربع، ورأت أن تستمر فى تأييد محمد على، على أمل أن تضمن لها مقامًا ممتازًا فى المنطقة، ولم تلبث الدول الأربع أن عقدت عام 1840 مع الحكومة العثمانية مؤتمرا فى لندن بحث فيه المجتمعون ما دعى “بالمسألة الشرقية”، وأسفر المؤتمر عن توقيع معاهدة التحالف الرباعي، وفى هذه المعاهدة عرضت الدول الأوروبية الأربع على محمد على ولاية مصر وراثيًا، وولاية عكا مدى حياته.
واشترطت هذه الدول أن يُعلن محمد على قبوله بهذا العرض خلال عشرة أيام ، فإن لم يفعل تسحب الدول الأربع عرضها الخاص بولاية عكا، أما إذا لم يُجب فى مدة عشرين يومًا فإن الدول الأربع تسحب عرضها كله، تاركةً للسلطان حرية حرمانه من ولاية مصر.
كان محمد على باشا من جهته مصمما على التمسك بالبلاد التى فتحها وأقرته عليها اتفاقية كوتاهيه، وأخذ يراهن على مساعدة فرنسا وعلى حرب أوروبية ينتظرها بين ساعة وأخرى، ولمّا أبلغته السلطنة العثمانية وقناصل الدول الأوروبية فى مصر شروط المعاهدة، ترك الأيام العشرة تمر من دون أن يصدر أى رد رسمي، فأبلغه قناصل الدول الأوروبية، فى اليوم الحادى عشر، الإنذار الثاني، وأمهلوه عشرة أيام أخرى، كما أبلغوه أنه لم يعد له الحق فى ولاية عكا.
ومرت الأيام العشرة الثانية من دون أن يقبل صراحة تنفيذ بنود الاتفاقية، فعدّ قناصل الدول الأوروبية أن ذلك يعنى الرفض، عندئذ أصدر السلطان فرمانًا بخلعه من ولاية مصر .
أمام هذا الأمر شرعت الدول الأوروبية باتخاذ إجراءات تمهيدية لتنفيذ تعهداتها، فأمرت بريطانيا أسطولها فى البحر المتوسط أن يقطع المواصلات البرية والبحرية بين مصر والشام وضرب موانئ هذه البلاد، وأوعزت إلى سفيرها فى الآستانة بإشعال نار الثورة ضد محمد على فى المدن والقرى الشاميّة، كما قطعت الدول الأوروبية الأربع علاقاتها بمصر .
استقبل محمد على باشا نبأ عزله بهدوء، وأعرب عن أمله بالتغلب على هذه المحنة، ثم جنح للسلم عندما ظهر أمير البحر البريطانى “نابييه” أمام الإسكندرية، مهددًا بلغة الحديد والنار، ورأى أن فرنسا غير قادرة على مقاومة أوروبا كلها، لذلك وقّع اتفاقية مع أمير البحر المذكور وعد فيها بالإذعان لرغبات الدول الكبرى والجلاء عن بلاد الشام بشرط ضمان ولايته الوراثية لمصر، لكن الدولة العثمانية رفضت هذا الشرط بإيعاز من بريطانيا.
ساندت فرنسا محمد على باشا فى موقفه، وتشددت فى ذلك حتى خيف من وقوع حرب أوروبية، عندئذ تدخلت كل من النمسا وبروسيا فى هذه القضية وأجبرتا بريطانيا وروسيا على تبنى وجهة نظر محمد على باشا وفرنسا، فاجتاز والى مصر مأزق الخلع وإن أُرغم على الاكتفاء بولاية مصر فى المستقبل، وفعلاً أصدر السلطان فرمانًا بجعل ولاية مصر وراثية لمحمد على باشا، وانتهت بذلك الأزمة العثمانية – المصرية، وجلا المصريون عن الشام.
مصدر الخبر